لفترات طويلة من الزمن لم يكن البحث عن آليات لتخفيض مخاطر التبغ محل اهتمام من المدخنين أو الشركات المنتجة للسجائر، غير أن هذا الأمر بدأ في التغير بشكل تدريجي، خاصة في ظل التقدم العلمي والتكنولوجي الذي يشهده العالم الآن في كافة المجالات وخاصة الطبية منها، حيث بدأ الحديث عن أضرار التدخين، والأمراض التي تصيب المدخن، والتي قد تصل إلى حد الوفاة.
وكان نتيجة الالتفات لمخاطر التدخين، خلال الثلاثون عامًا الماضية، أنه تم إطلاق حزمة من السياسات والإجراءات التي تهدف جميعها إلى التوجيه نحو ضرورة الإقلاع عن التدخين.
وبحسب التصريحات الأخيرة للبروفيسور العالمي ديفيد خياط، أحد أشهر الأطباء الفرنسيين في مجال الأورام، والرئيس السابق للمعهد الوطني للسرطان في فرنسا، خلال مشاركته في المؤتمر العالمي لمناقشة مفهوم الحد من مخاطر التدخين في أفريقيا، فإن التدخين ظل أهم مُسبب للإصابة بالسرطان حول العالم طوال الـ 30 عاماً الماضية منذ عام 1990 إلى 2019، ما يعني أن جميع الاستراتيجيات والسياسات التي تم وضعها وتنفيذها طوال تلك الفترة للحد من التدخين قد باءت بالفشل التام.
وتابع: “لهذا يجب علينا أن نسعى لتقليل الأضرار الناتجة عن سلوك التدخين، ونأمل في أن تلعب المنتجات البديلة الأقل ضررًا دورًا في الحد من الأضرار الناتجة عن استهلاك منتجات التبغ التقليدية لا سيما مرض السرطان الذي يتسبب فيه التدخين”.
الحقيقة والأمل الذي تحدث عنهما البروفيسور خياط، تنبهت لهما شركة فيليب موريس انترناشيونال، منذ أكثر من 14 عامًا كاملة، عندما قادت أكبر عملية تحول في تاريخها ووضعت استراتيجية عمل بعيدة المدى تنتقل خلالها من واحدة من أكبر الشركات المُصنعة للتبغ حول العالم إلى شركة تتبنى العلم والتكنولوجيا كمنهج عمل رئيس لتتوصل من خلاله إلى ابتكار وتطوير منتجات الكترونية خالية من الدخان تكون أقل ضررًا، خاصة بعد اتفاق الخبراء على أن السبب الرئيسي للأضرار الناتجة عن التدخين هي المواد الكيميائية السامة الموجودة في دخان السيجارة والناتج عن عملية حرق التبغ – وليس في النيكوتين. رغم انه مادة إدمانيه بطبيعتها.
وهنا كان العالم على موعد مع تكنولوجيا التبغ المسخن، ذلك الابتكار الجديد الذي نجح في أن يتحول أكثر من 15 مليون مدخن بالغ إلى المنتجات الخالية من الدخان ذات احتمالية تخفيض مخاطر التدخين التقليدي، هذه المنتجات اكتسبت ثقة ملايين المدخنين البالغين حول العالم، من غير الراغبين في الإقلاع عن التدخين، ويسعون إلى تخفيض مخاطرة، حيث تتواجد منتجات التبغ المسخن في 71 دولة حول العالم، منها انجلترا، وأستراليا، واسبانيا، ونيوزيلندا، واليابان، بالإضافة لعدد كبير من الأسواق العربية.
ويعد السوق الياباني نموذجاً متفرداً لقصة نجاح هذه المنتجات، خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار أن اليابان واحدة من أكثر الدول تقدما، وأكثرها اهتماما بصحة المستهلك، فهي تفرض قواعد صارمة على عمليات تداول مختلف المنتجات بأسواقها، وذلك حفاظا على صحة مواطنيها، وهو ما عزز من ثقة المستهلكين البالغين في أجهزة التبغ المسخن، بعدما صرحت الحكومة اليابانية بتداول هذه المنتجات المبتكرة لقدرتها على الحد من أضرار التدخين التقليدي.
وقد رصدت دراسة حديثة، أجرتها الجمعية الأمريكية للسرطان، التجربة اليابانية مع منتجات التبغ المسخن، التي بدأت عام 2015 وقتما حصلت هذه المنتجات على موافقة مبدئية في 12 محافظة يابانية من أصل 47 في اليابان، وسرعان ما وافقت باقي المحافظات على استخدام وتداول هذه المنتجات لتنتشر في جميع اليابان بدءا من إبريل 2016.
لدراسة الأمريكية، أبرزت معدلات بيع السجائر التقليدية، وأعداد المدخنين، خلال السنوات العشرة الأخيرة، وكشفت عن أنه بفضل منتجات التبغ المسخن، تزايد عدد الذين يقلعون عن تدخين السجائر التقليدية. كما ارتفعت مبيعات المنتجات المسخنة لتشكل 17.4% من سوق (السجائر / التبغ المُسخن) في اليابان بحلول عام 2019. كما انخفض أيضا استهلاك السجائر التقليدية في اليابان، انخفاضا حادا بعد دخول أجهزة التبغ المسخن، حيث تحول ما يقرب من 10 % من السكان البالغين من المدخنين سنويًا، لاستخدام الأجهزة الحديثة.
وأكدت، أن ما حققته هذه المنتجات، أمر غير مسبوق ولا يضاهيه أي نشاط حكومي آخر لمكافحة التبغ، فضلا عن كونها تعزز من فرص الإقلاع الكامل عن التدخين رغم انها ليست خالية تماما من المخاطر.
قصة نجاح منتجات التبغ المسخن حول العالم، تثبت بالدليل القاطع أن التحول نحو العلم والابتكار، من أجل تقديم منتجات منخفضة المخاطر، يمكن أن يُحدث الفارق الذي فشلت فيه جميع السياسات والإجراءات التي تم اتخاذها على مدار الـ 30 عاما الماضية، لتقليل أضرار التدخين.
غير أن هذه الخطوة الكبيرة لا تزال تحتاج إلى مزيد من الدعم على مستوى الحكومات والمؤسسات خاصة فيما يتعلق بنشر الوعي بأهمية هذه المنتجات وقدرتها على تخفيض المخاطر، وكذلك السماح بتداول المعلومات العلمية والبحثية ذات الصلة، فضلا عن ضرورة خلق بيئة تشريعية وقانونية، تسمح بتداول هذه المنتجات وتضمن وصولها إلى المدخنين البالغين، نظرا لما توفره لهم من فرص حقيقية لتخفيض أضرار التدخين التقليدي.