موقع إلكتروني متخصص في الأخبار الاقتصادية
الثلاثاء, 21 أكتوبر 2025 | 11:38 مساءً

السويد تحقق الريادة عالميًا بخفض نسبة المدخنين إلى أقل من 5%

في الوقت الذي تواصل فيه الحكومات حول العالم بحثها عن حلول فعّالة لمكافحة التدخين والحد من أضراره الصحية، تبرز السويد كنموذج مختلف في التعامل مع هذه الظاهرة، بعدما نجحت في تقليص نسبة المدخنين إلى أقل من 5% من السكان، لتصبح – وفقًا لمعايير منظمة الصحة العالمية – الدولة الأولى التي تقترب فعليًا من تحقيق صفة “خالية من التدخين”.

ويُعزى هذا الإنجاز، بحسب خبراء الصحة العامة، إلى تبنّي السويد نهجًا يعتمد على تقليل المخاطر لا المنع المطلق، من خلال تشجيع المدخنين على التحول إلى بدائل خالية من الدخان مثل منتج “السنوس” – وهو نوع من التبغ الفموي التقليدي المنتشر في السويد – إلى جانب أكياس النيكوتين التي تُستخدم دون احتراق.

ويشير محللون إلى أن هذه السياسة لا تُعدّ ترويجًا لاستهلاك النيكوتين، بل هي إستراتيجية عملية للحد من الأمراض المرتبطة بالتدخين، خاصة وأن عملية الاحتراق هي المصدر الرئيسي للسموم التي تسبب الأمراض المزمنة وسرطان الرئة. وتعدّ السويد أيضًا صاحبة أدنى معدلات الإصابة بسرطان الرئة في أوروبا، وهو ما يعتبره المختصون أحد نتائج اعتمادها على البدائل المنظمة.

في المقابل، تتخذ دول مثل إسبانيا مسارًا أكثر تشددًا من خلال فرض قيود صارمة على جميع أشكال النيكوتين، سواء كانت سجائر تقليدية أو إلكترونية أو منتجات بديلة، وهو ما أثار جدلاً واسعًا داخل الاتحاد الأوروبي. فقد عبّرت دول مثل السويد وإيطاليا واليونان ورومانيا والتشيك عن رفضها لهذا النهج، معتبرة أن القيود المطلقة تتجاهل الفروقات الجوهرية بين المنتجات التقليدية وتلك الأقل خطورة.

ويؤكد الخبير العالمي في علاج الإدمان على التبغ كارل فاجرستروم أن المشكلة لا تكمن في النيكوتين بحد ذاته، بل في طريقة استهلاكه، موضحًا أن “السجائر التقليدية تعتمد على حرق التبغ واستنشاق الدخان المليء بالسموم، بينما تلغي البدائل الفموية هذه العملية بالكامل، مما يقلل بشكل كبير من مستوى المخاطر الصحية”.

ويضيف فاجرستروم أن تقليل محتوى النيكوتين في هذه المنتجات قد يأتي بنتائج عكسية، إذ قد يدفع المستهلكين إلى اللجوء إلى أسواق غير قانونية أو منتجات أكثر خطورة، داعيًا إلى اتباع سياسة “الحد من الضرر” التي لا تروّج للمنتجات البديلة ولكن تنظمها وتشرف عليها علميًا بما يضمن حماية المستهلكين، خصوصًا الفئات الصغيرة سنًا أو الأكثر عرضة للتأثر.

وتتميز التجربة السويدية أيضًا بخصوصيتها القانونية، إذ تحتفظ السويد منذ عام 1995 باستثناء داخل الاتحاد الأوروبي يسمح بتداول “السنوس” على أراضيها، وهو ما مكّنها من تطبيق تجربة فريدة أثبتت فاعليتها على مدار العقود الماضية.

ويخلص مراقبون إلى أن التجربة السويدية تطرح تساؤلاً مهمًا أمام صانعي السياسات الصحية في العالم: هل حان الوقت لإعادة النظر في السياسات التقليدية لمكافحة التدخين؟
فبينما يركز النهج التقليدي على المنع والتقييد، يثبت النموذج السويدي أن الموازنة بين التوعية والتنظيم وتوفير البدائل الأقل ضررًا قد تمثل الطريق الأكثر واقعية وفاعلية لتحقيق الهدف النهائي: حماية الصحة العامة وتقليل الوفيات المرتبطة بالتدخين.

اترك ردًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.